أ
بسم الله الرحمن الرحيم
ظلم فرعون مع رب العلمين
ملخص ظلم فرعون : 1.
كذب موسى عليه اسلام وكذب الأدلة والحجج البينة على صدق كلام .
2. وادَّعى أنه إله , ولا يمجد إله غيره لعنه الله .
3. جرئة واستكبار على اللّه , ونفى أن يكون له علم بالإله الحق .
4. وفعل الأسباب ليتوصل إلى إله موسى عليه السلام .
5. اشتغال قومه بالسحر .
تفصيل ظلم فرعون في القرآن :
يخبر تعالى عن كفر فرعون وظلمه وطغيانه وافترائه في دعوى الإلهية لنفسه القبيحة لعنه الله وهو الشرك في الربوبية ، اعتقاد وجود متصرف مع الله عز وجل في أي شيء من تدبير الكون من إيجاد أو إعدام ... بل فرعون الم يعتقد ذلك فقط فحسب بل نفي وجود إله غيره لعنه الله ؛ ولهذا قال : { يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } أي : أنا وحدي ، إلهكم ومعبودكم ، ولو كان ثَمَّ إله غيري ، لعلمته ، فانظر إلى هذا الورع التام من فرعون ! ، حيث لم يقل " ما لكم من إله غيري " بل تورع وقال : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } وهذا ، لأنه عندهم ، العالم الفاضل ، الذي مهما قال فهو الحق ، ومهما أمر أطاعوه ، قال تعالى إخبارا عنه { فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى {26} سورة النازعات يعني : أنه جمع قومه ونادى فيهم بصوته العالي مُصَرِّحا لهم بذلك ، فأجابوه سامعين مطيعين كما قال تعالى : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ {54} سورة الزخرف ، وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية ، فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم . ولهذا انتقم الله تعالى منه ، فجعله عبرة لغيره في الدنيا والآخرة ، وحتى إنه واجه موسى الكليم بذلك فقال : { لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ {29} سورة الشعراء
ظلم فرعون وهامان :
فلما قال هذه المقالة ، التي قد تحتمل أن ثَمَّ إلها غيره ، أراد أن يحقق النفي ، الذي جعل فيه ذلك الاحتمال ، فقال لـ " هامان " { فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ } ليجعل له لبنا من فخار. { فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا } أي: بناء { لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } ولكن سنحقق هذا الظن ، ونريكم كذب موسى . فانظر هذه الجراءة العظيمة على اللّه، التي ما بلغها آدمي ، كذب موسى ، وادَّعى أنه إله ، ونفى أن يكون له علم بالإله الحق ، وفعل الأسباب ، ليتوصل إلى إله موسى ، وكل هذا ترويج ، ولكن العجب من هؤلاء الملأ ، الذين يزعمون أنهم كبار المملكة ، المدبرون لشئونها، كيف لعب هذا الرجل بعقولهم ، واستخف أحلامهم ، وهذا لفسقهم الذي صار صفة راسخة فيهم فسد دينهم، ثم تبع ذلك فساد عقولهم ، وقوله : { فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى } أي : أمر وزيره هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له على الطين ، ليتخذ له آجُرّا لبناء الصرح ، وهو القصر المنيف الرفيع - كما قال في الآية الأخرى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ {37} سورة غافر ، وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم يُرَ في الدنيا بناء أعلى منه ، إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون ؛ ولهذا قال : { وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } أي : في قوله إن ثَمّ ربًّا غيري ، لا أنه كذبه في أن الله أرسله ؛ لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع ، فإنه قال : { وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ {23} سورة الشعراء وقال : { لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ {29} سورة الشعراء وقال : { يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } وهذا قول ابن جرير.فنسألك اللهم الثبات على الإيمان ، وأن لا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وتهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. (السعدي رحمه الله + ابن كثير بتصرف )
ظلم فرعون وملئه لموسى عليه السلام وقومه :
وأما فرعون فقد علا وتجبر وتكبر ... في ظلمه لموسى عليه السلام , وظلمه لقومه , ومارس أبشع أنواع الظلم مع بني إسرائيل , طغياناً وكفراً وعناداً فما تكاد سورة تخلوا من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملئه .
1) اتهام موسى عليه لسلام بسحر قال الله سبحانه وتعالي { قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ{109} يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ{110} سورة الأعراف .
بعد أن تقدم موسى بما طلب فرعون منه من الآية فأراه آية العصا ، و اليد ، و شاهد الملأ من قوم فرعون الآيتين العظيمتين قالوا و ذلك لما بهرتهم الآيتان تحول العصا إلى حية عظيمة و اليد البيضاء من غير سوء كالبرص بل بياضها عجب حتى لكأنها فلقة قمر أي قطعة منه ، و اتهموا موسى فورا بالسياسة و أنه يريد إخراجكم من بلادكم ليستولي عليها هو و قومه من بني إسرائيل ، و هنا تكلم فرعون و قال : { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } { فَمَاذَا تّأْمُرُون } أي بم تشيرون عليّ أيها الملأ و الحال كما ذكرتم ؟ فأجابوا قائلين { أَرْجِهْ وَ أَخَاه} أي أوقفهما عندك { و أَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِين} أي رجالا من الشرط يحشرون أي يجمعون أهل الفن من السحرة من كافة أنحاء الإيالة أي الإقليم المصري ، و أجر معه مناظرة فإذا انهزم انتهى أمره و أمِنّا من خطره على بلادنا و أوضاعنا . فلما عجز فرعون عن رد الحق لجأ إلى ما لجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب فتوعد موسى بالاعتقال والسجن وخاب فقال: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ{29} الشعراء .
2) ثم اتهمه كذلك في سورة الشعراء بالجنون والتهديد والوعيد { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ{27} قال فرعون لخاصته يستثير غضبهم ؛ لتكذيب موسى إياه: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون, يتكلم كلامًا لا يُعْقَل! ثم بعد يجبره على عبادة { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ{29} أي لأسجننك وأجعلك في قعر تحت الأرض مع المسجونين .
3) و أهل الكبر والعلو في الأرض إذا أعيتهم الحجج لجأوا إلى التهديد والوعيد واستخدام القوة.
فكان من ظلم فرعون قام بتعذيبهم السحرة الذين أمنوا بأبشع أنواع العذاب قال الله تعالى{ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ{124} الأعراف . لقد تجاوز الحد , سفك الدماء الأبرياء , قتل الأطفال , نشر الفساد , أرهب العباد , دمر البلاد , داس الأجيال تحت قدميه . ومازال أهل الطغيان يتخذون هذا الهجوم العنيف ضد المؤمنين في كل بلاد المسلمين, وما ذنبهم ؟! سوا أنهم يوحدون الله .... سوا أنهم يصلون ... سوا أنهم يطوعون الله تعالي و رسول الله صلى عليه وسلم
4) ومن ظلم و مكر الملأ و خبثهم إذ اتهموا موسى سياسياً بأنه يريد الملك و هو كذب بحت و إنما يريد إخراج بني إسرائيل من مصر حيث طال استعبادهم و امتهانهم من قبل الأقباط و هم أبناء الأنبياء و أحفاد إسرائيل و إسحاق و إبراهيم عليهم السلام , قال الله تعالى { وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ{127} الأعراف , { ليفسدوا في الأرض } أي أرض مصر فإفساد خدمك وعبيدك { ويذرك وآلهتك } أي ويترك فلا يخدمك ولا يطيعك ويترك آلهتك فلا يعبدها إذ كان لفرعون أصنام يدعو الناس لعبادتها لتقربهم إليه وهو الرب الأعلى للكل. وهؤلاء هم المنتفعون بقربهم من فرعون في مكاسب كبيرة ، فإذا ظهر الحق أنه ليس إلهاً ضاعت مكاسبهم , و قال الله تعالى { وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ {73} , فهؤلاء يعلمون صدق رسالة موسى عليه السلام , ولكن حب المال وحب المنصب وخوفهم على ضياع أملاكهم , آثر حب الدنيا الفانية على النعيم المقيم في الآخرة ، { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا } وأيده الله بالمعجزات الباهرة، الموجبة لتمام الإذعان، لم يقابلوها بذلك، ولم يكفهم مجرد الترك والإعراض، بل ولا إنكارها ومعارضتها بباطلهم، بل وصلت بهم الحال الشنيعة إلى أن قال فرعون { قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ } سورة غافر , حيث كادوا هذه المكيدة، وزعموا أنهم إذا قتلوا أبناءهم، لم يقووا، وبقوا في رقهم وتحت عبوديتهم. و كما كان يفعل قبل عند أخبر بأن سقوط ملكه سيكون على يد بني إسرائيل , وهذا أمر ثان من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل
أما الأول : فكان لأجل الاحتراز من وجود موسى ، أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم ، أو لمجموع الأمرين .
وأما الأمر الثاني : فللعلة الثانية ، لإهانة هذا الشعب ، ولكي يتشاءموا بموسى ، عليه السلام ؛ ولهذا قالوا : { أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {129}لأعراف , وقوله { وإنا فوقهم قاهرون } هذه الكلمة من فرعون في هذا الظرف بالذات لا تعد وأن تكون تعويضاً عما فقد من جبروت ورهبته التي كانت له . ابن كثير
5) فقد مارس فرعون الدكتاتوري السفاك ، الذي كان يلقي المحاضرات، على العملاء الأغبياء البلداء ، في تظليل وتعطيل عقولهم عندما بداء يذكر لهم عظمت ملكه , ويقول لهم: , { وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ{51} أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ{52} فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ{53} فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ{54} سورة الزخرف . قال بعض المفسرين: كان على قصر فرعون ستة وثلاثون ألفاً من الحرس، كل واحد منهم يرى أن فرعون إلهه، وخالقه، ورازقه، ومحييه، ومميته !! فكان فرعون الدكتاتوري يغري قومه بعظمة و ملكه ويقول لهم ماذا يملك موسى ؟ إنسان ضعيف فقير مشرد هائم على وجهه ، فماذا يملك هذا الإنسان ؟ بل انظروا إليه إنه مهين ، وكذلك لا يكاد يبين بكلامه , لقد اتخذ فرعون الدكتاتوري السفاك مع قومه أسلوب سياسة خطير وهو تعطيل عقولهم حتى لا يؤمنوا بموسى عليه السلام فأخذ يعدد لهم عظمة ملكه , بأن له سواران من ذهب وقلادة في عنقه من الذهب أيضاً ، ليس مع موسى ذهب ، وأين الذهب الذي يتحلى به ، انظر مقياس فرعون ، وهذا مقياس أهل الدنيا دائماً , ضعيف ، ليس حوله حاشية ورجال ، ليس عنده أتباع ، ليس غنياً ، لا يملك ذهباً , أنه ليس بفصيح اللسان، .فموسى عليه السلام ما كان يبين في حديثه، بل كان يأكل بعض الحروف إذا تكلم، فليس في استطاعته أن يبلغ الدعوة، وسوف يضحك عليه هذا المجرم العتل، وقد فعل ذلك بالفعل ، حيث عقد مقارنة بينه وبين موسى عليه السلام ,وفضل نفسه على نبي من أنبياء الله ، ورسول من أولي العزم . , فيهزون رؤوسهم طرباً، ، ويسجدون له تذللاً .
6) وقوله تعالى { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ{38} وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ{39} فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ{40} وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ{41} وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ{42} سورة القصص , {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي{38}لقصص متجرئا على ربه ، ومموها على قومه السفهاء ، أخفاء العقول, {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي } أنا وحدي ، إلهكم ومعبودكم ، ولو كان ثَمَّ إله غيري ، لعلمته ، فانظر إلى هذا الورع التام من فرعون ! حيث لم يقل " ما لكم من إله غيري " بل تورع وقال {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي } فلما قال هذه المقالة، التي قد تحتمل أن ثَمَّ إلها غيره ، أراد أن يحقق النفي ، الذي جعل فيه ذلك الاحتمال، فقال لـ " هامان " . فانظر هذه الجراءة العظيمة على اللّه وعظم الظلم الذي وقع فيه فرعون الدكتاتوري السفاك ، التي ما بلغها آدمي ، كذب موسى عليه السلام ، وادَّعى أنه إله ، ونفى أن يكون له علم بالإله الحق ، وفعل الأسباب ، ليتوصل إلى إله موسى ، وكل هذا ترويج ، ولكن العجب من هؤلاء الملأ ، الذين يزعمون أنهم كبار المملكة، المدبرون لشئونها ، كيف لعب هذا الرجل بعقولهم، واستخف أحلامهم ,وهذا لفسقهم الذي صار صفة راسخة فيهم . ( السعدي + ابن كثير )
7) { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ {26} سورة غافر { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } وهذا عَزْمٌ من فرعون لعنه الله على قتل موسى عليه السلام ، ,{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي} أي : قال لقومه : دعوني حتى أقتل لكم هذا , { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } أي : لا أبالي منه . وهذا في غاية الجحد والتجهرم والعناد . وقوله قبحه الله { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ } يعني : موسى ، يخشى فرعون أن يُضِلَّ موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم . وهذا كما يقال في المثل : "صار فرعون مُذَكِّرًا" يعني واعظا ، يشفق على الناس من موسى ، عليه السلام . وقرأ الأكثرون : "أن يبدل دينكم وأن يُظهِر في الأرض الفساد" وقرأ آخرون : { أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ } وقرأ بعضهم : "يَظْهَر في الأرض الفسادُ" بالضم. ( ابن كثير ).
موقف موسى عليه السلام من قول فرعون الظالم المتكبر { وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } سورة غافر , حين قال فرعون تلك المقالة الشنيعة التي أوجبها له طغيانه ، واستعان فيها بقوته واقتداره، مستعينًا بربه { إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ } امتنعت بربوبيته التي دبر بها جميع الأمور , { مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } يحمله تكبره وعدم إيمانه بيوم الحساب على الشر والفساد، يدخل فيه فرعون وغيره ، فمنعه الله تعالى بلطفه من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، وقيض له من الأسباب ما اندفع به عنه شر فرعون وملئه. ( السعدي )