في (سبيكرز كورنر) بالهايدبارك في لندن حيث الحرية التامة لكي تقول ما تريد، والمكان الأوحد خارج مستشفى المجانين الذي يمكنك فيه أن تعبر بلا خوف من مقص الرقيب .. كان هناك عدة أشخاص كلُ حمل قضيته على لسانه وانطلق .. قضاياهم كانت دينية وسياسية وعرقية، وكان هناك رجل يهرطق وحيدا ولم أفهمه، وعندما سألته نظر إليّ مشمئزا وأكمل حديثه وكأن أمامه جماهير تسمعه .. لم يكن حديثهم يهمني طالما أن هناك مجموعة أعلم مني تتكلم في أمور ديني فلا شأن لي بأمورهم .. شعرت وكأني في مستشفى مجانين مشرعة أبوابها تستقبل الزوار وتودع المجانين بصدر رحب .. وأنا منذ قرأت فيرونيكا تقرر أن تموت لباولو وأنا أحلم بلحظات جنونية أقول فيها ما يختلج في قلبي، وهذا المكان الوحيد الذي يسمح لي بأن أعبر عن جنوني ثم أعود أدراجي وأمارس حياتي الطبيعية دون أن ينعتني الآخرون بالجنون، وبلا إبر أو مسكنات أو صدمات كهربائية حتى.
اتخذت من إحدى الزوايا ملاذا أتكلم فيه عن قضيتي، ودون أن أواري مشاعري تكلمت عن حبك ..
قلت لهم يا سادتي الكرام: مجنونة أنا بحبه ومنذ جننت وأنا أرى كلّ شيء مختلف، للسماء لونان، لون أزرق هاديء وجميل لا يراه إلا المتفائلون، ولون أرجواني مشع ونابض لا يراه إلا المحبون، وللهواء إذ يستنشقه عذب السلسبيل، وتغريد العصافير عزف على أوتار الطبيعة، وبعد أن أصابني مس جنون من حبه ما عدت قادرة على ابتياع عصافير لأحبسها في قفص بلا ذنب سوى أن أشكالها أعجبتني، فالسماء واسعة وهناك ستجد من يحبها ولا يحبسها، كذلك أنت سيدتي لا تحبي رجلا يحبس مشاعرك ويقضي عليها، قولي لمن تحبين: إما أن تكون كحبيبها أو اتركني بسلام،
لا تربطي مصيرك برجل يهينك مهما كان مقدار حبك له، فيوما ما عندما تتعمقين أكثر في حبه سترين ما لا يعجبك وستكرهينه وستندمين على أيام مضت سدى ولم تجن منها إلا قلبا لوثه الحب بدل أن يطهره.
اجعلي قلبك طاهرا بلا جروح من جراء حب رجل لا يستحقه، ولا تبذلي الكثير من أجل رجل، وإن بذل الكثير لأجلك ابذلي ولكن بتقتير .. فقليلك ككثيره، وكثيرك سيغرقه فلا يستطيع أن يتنفس وسيرحل فمن ذا الذي يسلم نفسه للغرق.
أخبرتهم عنك الكثير وعن الحب الذي تقدمه لي كل يوم من تصرفاتك وكلماتك، قالت لي إحداهن إنها تحب رجلا لا تعلم أيحبها أم لا، في داخلي حزنت عليها وضحكت أيضا من غبائها، كيف تسمح لنفسها أن تحب رجلا لا تعرف أيحبها أم لا!!، وقلت لها لا تخجلي من أن تصارحيه بحبك فإن كان يحبك فهذا أمر حسن، وإن لا فلا تضيعي أكثر في حب من لا يحبك، وتخيّري الرجل الذي يحبك ويهتم بك، ودعي عنك فلسفة (لا أستطيع العيش من دونه)، حتما ستعيشين من دونه وستحبين الرجل الذي أظهر اهتمامه بك وأحبك.
كانت هالات الجميع مشعة بالحب، وكنت مستمتعة وأنا أحدثهم عن قصة حبنا بعفوية وبكل حب، رأيت في عيونهم غبطة مما نحن عليه.
في لحظات أراد الجميع أن يمارسوا جنونا كجنوني، فالنساء أردن أن يحببن رجلا مثلك، وأراد الرجال أن تحبهم النساء كحبي.
مدّ يده صوب عيني ليعطيني ورقة قطع بها خيالي، كتب عليها "سيدهارتا غوتاما يحبك"، وفي أسفلها رقم هاتف وضعه ربما كي أستفسر عن حبه لي أكثر .. أخذت الورقة ونظرت للرجل البوذي الذي استبدل نظرات الإشمئزاز بنظرات دعوية حينما لم يجد غيري أنا ومعاونه يقفان أمامه .. أخذت الورقة وكدت أن أمزقها أمام ناظريهما وأقول لا بارك الله بكما إذا قطعتما علي ما كدت أنوي أن أفعله، مالي وحب بوذا، غير أني ذهبت هناك حيث البحيرة التي تجلس أمامها كل يوم ولا تنبس ببنت شفة ولا تراني حتى، تأملتك وتمنيت بعض جرأة تخلصني من لعنة كدت أن ... (أخبرك أني أحبك).
ـ بين أزهار البنفسج:
كان يجب أن أكون أكثر جنونا ولكن بلا شك كما يحدث مع معظم الناس اكتشف ذلك متأخرا جدا ـ (باولو كويلو)