بسم الله الرحمن الرحيم
فرعون الدكتاتوري السفاك
لقد تعد ظلم فرعون وبلغ منه الظلم مبلغ كبيراً حيث ظلم نفسه , وظلم الملأه , وظلم بني إسرائيل {} حين نسب لنفسه الألوهية حين قال { يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } أي أنا وحدي، إلهكم ومعبودكم. فهوا أنكر وجد إله غيره
و إن من يتأمل قصة فرعون في القرآن، يجدها مشحونة بألفاظ القتل والإبادة، والذبح والنحر واإستعباد بالشري ، يظهر هذا جلياً لكل من قرأ وتأمل، مما يُنبئ عن نفس مريضة، تتمتع بمشاهد التعذيب، وقلب يُصِر على الاستكبار والتكذيب، ويد تمتد للبطش والتخريب، ولسان يصرخ بالتهديد والوعيد.
فكان من عجرفته وبطش أنه عذب أمرآه و قتل زوجها و قتل لها خمست أبناء منهم رضيع وهذه القصة لم تذكر في القرآن ...ولم يحفظ التاريخ اسمها.. لكنه حفظ فعل تلك الماشطه ..
وكان زوجها مقرب من فرعون فلما علم فرعون بإيمانه قتله ....ثم بقيت هذه المرأه المؤمنه تعمل في بيت فرعون... وذات يوم إذ وقع المشط من يدها وهي تمشط بنت فرعون ... فقالت المرأة بسم الله...
فقالت بنت فرعون أبي ؟ فقال المرأة المؤمنة : لا , كلا ..بل الله ربي .. وربك ..ورب أبيك فرعون
فأخبرت البنت أباها فرعون بذلك فتعجب من وجد من يعيش في قصره ولا يعبده .
فدعا بها.. وقال لها: من ربك ؟ قالت : ربي وربك ...
فأمرها بالرجوع عن دينها.. .وحبسها وضربها... فلم ترجع عن دينها.. فأمر فرعون بقدر من نحاس فملئت بالزيت.. ثم أحمي.. حتى غلا القدر ثم دعاها برجوع عن دينها فلم ترجع ... ثم جاء بأبنائها الخمسة .... أمر فرعون باكبرهم ..فجره الجنود ودفعوه إلى الزيت المغلي والغلام يصيح حتى أُلقيه في الزيت المغلى ... وأمه تبكي و تنظر إليه وتودعه ...وطفت عظامه فوق الزيت ...نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر ورجوع عن عبادة الله تعالى ... فأبت ... فغضب فرعون أشد الغضب ...فدعا بالثاني فسحب حتى أُلقي في القدر ... ثم الثالث ... ثم بالرابع ... وختلطت عظام أبنائها في الزيت وشمت الأم رائحة اللحم.. ولأم ثابة على دينها ... وانتزعوا الخامس الرضيع وكان قد إلتقم ثدي إمه وبكت المسكينه ..فلما رـى الله تعالى ذلها وأنكسارها وفجيعتها ...أنطق الله الصبي في مهده وقال لها يا أماه اصبرى فإنك على الحق ...ثم لم يبق إلا هي ...أقبلوا إليها كالكلاب ...ودفعوها إلى القدر ... وحترق جسدها وطفت عظامها ... وختاطت مع عظام أبنائها الخمسة ... عملت قليلا وستراحت كثيرا ...ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج شيئا من نعيمها ...فحدث به أصحابه وقال لهم " لما إسري به مره بي رائحة طيبة : قلت ما هذا ؟ فقيل لي : هذه ماشطة بنت فرعون و أولادها " رواه البهقي .
ليس فقط هذا الطفل الرضيع لوحيد الذي أقام عليه فرعون الدكتاتوري السفاك الظالم جريمة القتل فحسب , بل كان يسوم بني إسرائيل سوء العذاب , كان يراقب ولادة نسائهم : فإذا ولدة غلاما أخذة زبانيته فذبحوه , وإذا ولدة أنثى تركوها حيه ,وكان من ظلمه يقتل أبناء بني إسرائيل عام ويتركهم عام , خوف من أن يخرج من اصلابهم من يزيل ملكه ...
وقفة تأمل بين إرادة الله جل جلاله , وبين إرادة فرعون الظالم المفسد:
أراد فرعون الظالم المفسد أن يقتل موسى عليه السلام . وأراد الله سبحانه وتعالى أن يعيش موسى , وفي بيت فرعون , وأن يتكفل فرعون برعايته ! ولا يكون إلا ما أراده الله جل جلاله ! ومن هو ذلك المخلوق الذي يقدرعلى أن يقف أمام إرادة الله وأن يبطلها ؟ إن الله غالب على أمره , ولكن أكثر الناس لا يعلمون . إن أم موسى على وشك أن تضع حملها , وهي تخشى فرعون وجنوده فإذا وضعت غلام فلن يعيش , ووضعت أم موسى عليه السلام لوليد الضعيف في خطر داهم , وإن بيت أبيه وحضن أمه لا يوفران له الأمن , ولا يرفعان عنه الخطر ...ولن يوفر له الأمن , غلا في مكان واحد هو قصر فرعون ! ولكن كيف الوصول إليه ؟؟؟ و لكن الله جل جلاله هو غالب على أمره , ولكن أكثر الناس لا يعلمون . أن الله الذي أراد هذا , هو الذي سيوفير له الوسيلة المناسبة , وما على الشر إلا أن ينفذوا ما يوحيهم الله الهم . قال الله تعالى { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ{ 7} سورة القصص , لقد جمعت هذه الآية بين : خبرين , ونهيين , وبشارتين بتناسق وتأثير بلاغة وإعجاز .
الخبران في الآية : أوحينا . إذا خفت عليه .
الأمران في الآية : أرضعيه . ألقيه في اليم .
النهيان في الآية : لا تخافي . ولا تحزني .
البشارتين في الآية : إنا رادوه إليك . جاعلوه من المرسلين .
ثم قال الله سبحانه وتعالى { أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي {39} سورة طه , في هذه الآية الكريمة يلهم الله أم موسى عليه السلام على الطريقة التي يتم بها حفظه . إنها طريقة عجيبة , فيها شدة وعنف { أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ } .
اقذفيه : والقذف حركة شديدة عنيفه . تقذف من؟ تقذف ابنها الغلام العاجز الضعيف ... وكأنه يقال لها : حفظ ابنكِ ليس عليكِ ! بل على الله جل جلاله العزيز الحكيم الحمن الرحيم .
ثم كان موسى عليه السلام في بيت فرعون ! في بيت من ؟ في بيت فرعون وبين يديه , بين يدي الظالم السفاك المتعجرف المتكبر ... وأنك يا فرعون ستعجز عن مسه يسوء وأذى , بل إنك سوف تُسَخَّر لخدمته وتربيتة ليقتلك عندما يكبر! قال الله تعالى { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ{8} سورة طه . نعم هي إرادة الله تعالى سبحان لا راد لقضاءة ولا معقب الحكمه , ولهذا قال: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } فكل من رآه أحبه { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي ، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل، من ولاية البر الرحيم ، القادر على إيصال مصالح عبده ، ودفع المضار عنه ؟ ! . فلا ينتقل من حالة إلى حالة ، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى ، ومن حسن تدبيره, اختار الله لذلك الوسيلة لم تخطر على بال أحد من الشر , إنها المحبة , وسخر لتحقيقيها قلباً لم يتوقعه أحد , قلب امرأة فرعون : قال تعالى { وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{9} سورة طه , ألقى الله محبته في قلبها , وظف قلبها في الدفاع عنه و طلبت من فرعون أن لا يقتلوه , وما كان من فرعون إلا الموافقة والاستجابة لها وهنا تتجلى عظمة الله وقدرته وإرادته في حفظ موسى عليه السلام , إن قلب امرأة فرعون لا سلطان لأحد من الشر عليه , وإن فرعون لم يسيطر على قلبها . أما الله سبحانه فهو وحده له السلطان على قلبها ,قال تعالى { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{24} سورة الأنفال , إن موسى لما وقع في يد عدوه ، قلقت أمه قلقا شديدا ، وأصبح فؤادها فارغا ، وكادت تخبر به، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها، ففي هذه الحالة، حرم الله على موسى المراضع ، فلا يقبل ثدي امرأة قط ،وهذه الوسيلة الرانية من أعجب تدبير الله وتقديره , ليكون مآله إلى أمه فترضعه ، ويكون عندها ، مطمئنة ساكنة ، قريرة العين ، فجعلوا يعرضون عليه المراضع ، فلا يقبل ثديا.ووقع القوم في حيرة ودهشة وقلق , مما يشاهدونه لأول مرة طفل رضيع يبكي من الجوع ومع ذلك يرفض الثدي والحليب , وكأنه يبح عن خاص لأمرأة مخصوصة ليرضع منها حليباً خاصاً .
تأمل أي إلإنسان هذه القصة العجيبه .... تأمل عظمة الله وقدرة .... تأمل أن الله إذا أراد شيء قال له كن فيكون ... تأمل أن الله يقلب القلوب كيف يشاء ... تأمل أن القلوب بين أُصبعين من أصالبع الله يقلبها كيف يشاء ...تأمل كيف تكفل الله بحفظ موسى عليه السلام من القتل , أصبحوا قلقون عليه , ويخشون عليه من الهلاك ...إنهم يردون له أن يعيش , وعلى أتم الاستعداد لأن يبذلوا له كل شيء للإبقاء على حياته ! ؟ أنهم أولئك الذين كانَ يُخشى على حياته منهم ! إنهم ألئك الذين كنا نتوقع منهم قتله , أصبحوا بتدبير الله وتقدير الله جل جلاله وتقدسة أسمائه راغبين في حياته , متشوقين لإنقاذه ! يا لتدبير الله ...ويالعظمة الله سبحانه ... آمنا بالله وحده لاشريك له .
وكأن الله جل جلاله يقول لفرعون : أنت تريد أن تأخذ الرضيع من حضن أمه , ونحن نريدك أنت وقومك أن تعيدوه إلى حضن أمه , وأن توظف أمه مرضعة له على حسلبك , وأن تقدموا لها أجرتها مقابل رضاعه . ولا يكون إلا مانريد , وأنتم أنفسكم تنفذون ما نريد .
إن الله سبحانه أراد لموسى أن ينجوا من مكر فرعون . وأراد الله لموسى أن يحمله التابوت إلى قصر موسى . وأراد الله لموسى أن يحبه قلب امرأة فرعون . وأراد الله لموسى أن لا يقبل ثدي أية مرضعة عند فرعون . وأراد الله لموسى أن يعاد إلى بيت أمه . وأراد الله لموسى أن لا يشك في أمه أحد من جنود فرعون . وأراد الله لموسى أن تقوم أمه بإرضاعه وحضنه على حساب فرعون. وكل ماأراده الله منهذه الأمور إلغاء وتعطيل لإرادة فرعون . ومكر بإرادة فرعون . وإين نتيجة ما أراده الله ؟ ونتيجة ما أراده فرعون ؟ ومن هذا الفرعون ؟ ومن هو حتى يعطل إرادة الله ؟ إنه لن يكون إلا ما أراده الله جل جلاله في عُلاه . ويا ويح فرعون ... ويا ويح كل من تَفَرعَنَ على طريقة فرعون ... ما اضعفه أمام إرادة الله تعالى ! ؟
إن الله يريد أن يقدم للمؤمنين دروساً وعبر ودلالات إيمانيةمن خلا هذه الرحلة حول قدرة الله تعالى وتدبيره , ونفاذ إرادته وتحقيق مشيئته , وضعف وعجز من يحاد الله ويحارب المؤمنين ويؤذي الصالحين , و حول حفظ الله للصالحين , وتدبيره الأمور لتحقيق ذلك. أ ــــ ه (بتصرف و اختصار: مع قصص السابقين + السعدي)
إن الأطفال هم محل الرحمة ، وزينة الحياة ، ومظهر من مظاهر الجمال في هذا الكون ، يتميزون بنظرة خاصة من جميع الناس على اختلاف دياناتهم وأفكارهم ، ولكن الطغاة وسافكو الدماء لا يعرفون للأطفال حرمة ولا ميزة ، ولا يتمتعون بحصانة ولا استثناء ؛ لأن طوفان النهم والشره ، قد أعمى أبصارهم وبصيرتهم عن بكاء الأطفال واستغاثتهم . وقد ورد في القرآن بسبع آيات يخبر فيها بتجرأ فرعون على قتل الأطفال وذبحهم!
هذا هو فرعون الدكتاتوري السفاك ... مذموم على كل لسان ، لا خير فيه لأحد البته ، المتعطش لسفك الدماء ، وإزهاق الأرواح ، فقد تجاوز الحد . و يقول نبي الله موسى: "فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ " [الشعراء: 14 ] , وزوجته في بيته تقول: "لاَ تَقْتُلُوهُ " [الشعراء: 9 ] , وفي مجلس ملكه يقول مؤمن آل فرعون: "أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ "[غافر: 28 ].
وهذا رجل يركض من أقصا المدينة ويقول: "َيا مُوسَى إِنَّ الْملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ "[القصص: 20 ]
و هناك رجلان في غفلة الناس: "َيقْتَتِلاَنِ" [القصص: 15 ]
إنه جو مشحون بالقتل والذبح في البيت والعمل والشارع ، لا فرق عنده بين صبي أو نبي، حيث لا دين ولا عقل وإذا لم تستحي فاصنع ما شئت . في قصة فرعون : تعذيب ، وقتل ، وذبح ، وتقطيع ، وصلب ، ورجم ، وكل هذا في القرآن .
في قصة فرعون : ترهيب ، وتخويف ، و ترقب ، وطغيان ، وسجن ، ووعد ، ووعيد ، وظلم .
في قصة فرعون : قحط ، وجدب ، وبلاء ، وتطير، وطوفان ، وعذاب ، وهلاك وغرق .
في قصة فرعون : أنبياء ، وملوك ، ووزراء ، ونساء ، وأبناء ، وجنود ، وسحرة ، ورعاة ، وأم ، وشيخ كبير.
في قصة فرعون : جراد وقمّل ، وضفادع ، وحيات، وأنعام ، وثعبان ، وغنم .
هذا الطاغية لا يحسن من القول إلا: { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ{ 49 } سورة الشعراء
قراره: { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ{197} سورة الأعراف, أمره { اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ {25} سورة غافر , مشاورته: { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى{26} سورة غافر ( ثقافة فرعون / فرحان العطار )