بسم الله الرحمن الرحيم
ظلم فرعون لزوجته آسيا :
لم يتوقف ظلم فرعون الدكتاتوري السفاك فقط على موسى عليه السلام وعلى بني اسرائيل فقط بل حتى وصل من ظلمه وبطشه إلى زوجته التي هى شريكت حياته , إن الظالم الذي تعدا على حدود الله بل ودعا الربوبية لنفسه لا يهمه إلا نفسه فقط , فهو لا يبالى بمن يفتك أو يعذب سواء كان نبي من أنبياء الله أو أى قرابة كانت المهم أن ملكه وعرشه لا يزول . قال الله تعالى { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِين{11} سورة التحريم
إمرأة فرعون الكافر الظالم آسيا بنت مزاحم كانت قد آمنت بموسى مع من آمن فلما عرف فرعون إيمانها أمر بقتلها فلما علمت بعزم الطاغية على قتلها قالت في مناجاتها لربها : رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله الذي هو الكفر والظلم حتى لا أكون كافرة بك ولا ظالمة لأحد من خلقك، ونجني من القوم الظالمين أي من عذابهم فُشدت أيديها وأرجلها لتلقى عليها صخرة عظيمة إن هى أصرت على الإيمان فرفعت بصرها الى السماء فرأت بيتها في الجنة ففاضت روحها شوقاً الى الله والى بيتها في الجنة وقد رأته فوصلت الصخرة اليها بعد ان فاضت روحها فنجاها الله من عذاب القتل الذي أراده لها فرعون وعصابته الظلمة الكافرون.(ابوبكر الجزائري)
فائدة من الآية .
المرأة مستقلة في دينها لا طاعة المخلوق في معصية الله تعالى :الآن هذه الآية موجَّهةٌ إلى النساء جميعاً ، المرأة مستقلةٌ بدينها ، فأية امرأةٍ تقول : هكذا زوجي ، هكذا يريد ماذا أفعل ؟ يطلقني ، هذا كلامٌ مرفوض ، المرأة إنسان مكرَّمةٌ ، مسؤولةٌ محاسبةٌ ، مكلَّفةٌ بالإيمان والإسلام ، محاسبةٌ عن أفعالها محاسبةً دقيقة ، ولا ينجيها من محاسبتها أن زوجها يأمرها أن تفعل كذا وكذا ، المرأة مستقلَّةٌ في دينها ، وإيمانها ، واستقامتها ، ومسئوليتها عن زوجها ، لذلك المرأة العالمة الفقيهة إذا أمرها زوجها بمعصية تقول : لا أفعل ، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ، ولو هدَّدها ، افعل ما بدا لك ، فإن الله لا يضيعني ، ولا يتركني ، وسينصرني ، وسيكرمني ، أما هذه المرأة التي تقول : هكذا زوجي ، هكذا يريد ، هكذا يحب ، ماذا أفعل معه ؟ هو المسؤول ، هذه الآية تنفي هذا الكلام كلَّه .(محمد راتب النابلسى)
نهاية ظلم فرعون وملئه :1)
عقوبتهم في الدنيا : نهاية الفراعنة من أسوأ النهايات التي سجَّلها التاريخ ؛ فنهاية كل فرعون تأتي بجنونه وترنُّحه وعدم وعيه بما يصدر عنه من قرارات ، فيبدأ بإصدار تعليمات وقرارات لا يدرك خطورتها وما سوف تؤدي إليه، حتى يجد نفسه في الهاوية .
ولقد كانت نهاية فرعون عندما أصدر قرارًا بملاحقة موسى ومَن معه من المؤمنين؛ حيث جنَّد كل جنوده لهذا الغرض؛ حتى يتم القضاء على كل المصلحين ، ولقد نعتهم فرعون بنعتٍ قبيح ، فقال: { إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ {56} سورة الشعراء , ويا لها من كلمةٍ تدل على مدى الحقد الذي تمتلئ به قلوبهم ، والرعب الذي يتملكهم .
فبداية النهاية إنما تكون بملاحقةِ أهل الحق ومتابعتهم والتضييق عليهم والتنكيل بهم بلا هوادةَ ، ولا عجبَ في ذلك؛ فكل أمله أن يصبح أو يمسي فلا يرى أحدًا من المصلحين ؛ فالذي يدفع فرعون إلى ما يقوم به هو شدة خوفه من المصلحين على عرشه المشئوم { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ {56} فأخرج الله فرعون وقومه من أرض "مصر" ذات البساتين وعيون الماء وخزائن المال والمنازل الحسان. قال الله تعالى { فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ{59} سورة الشعراء واستحكم الأمر، واقترب فرعون من تحقيق حلمه ، وما هي إلا ساعات وتُحسم المعركة لصالح الفرعون ؛ فالبحر من أمام موسى ، وفرعون من ورائه.. إذًا ليست هناك وسيلة لنجاة موسى- هكذا ظنَّ فرعون- فموسى هالكٌ لا محالةَ، إما في البحر، وإما بفرعون ، حتى إن أصحاب موسى قالوا :{ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ {62} سورة الشعراء , وتغيَّر الأمر، وتبدَّل الحال ، وقضت إرادة الله تعالى بنجاةِ موسى ومَن معه، وكان الهلاك نصيب فرعون ومَن معه.. { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ{63} سورة الشعراء, وقرَّبْنا هناك فرعون وقومه حتى دخلوا البحر, وأنجينا موسى ومَن معه أجمعين . فاستمر البحر على انفلاقه حتى عبروا إلى البر , ثم أغرقنا فرعون ومن معه بإطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه متبعين موسى وقومه. وتغيَّر الأمر، وتبدَّل الحال، وقضت إرادة الله تعالى بنجاةِ موسى ومَن معه، وكان الهلاك نصيب فرعون ومَن معه.. { وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ {66} سورة الشعراء , { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ } عندما استمر عنادهم وبغيهم ولكنَّ الله أراد أن يجعله عبرةً فقال { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ{92} سورة يونس , ما قال الله : لتكون آية أي لمن حولك ، لكنه قال : { لتكون لمن خلفك ءاية } , { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ } كانت شر العواقب وأخسرها عاقبة أعقبتها العقوبة الدنيوية المستمرة، المتصلة بالعقوبة الأخروية.
2) عقوبتهم في الآخرة :قال الله تعالى { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ } أي : طغوا وتجبروا ، وأكثروا في الأرض الفساد ، واعتقدوا أنه لا معاد ولا قيامة ، { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ.إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {14} سورة الفجر , { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } أي : لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم ، في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع ، { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ } أي : فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولا بذل الآخرة ، كما قال تعالى : { أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ {13} سورة محمد .
وقوله : { وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً } أي : وأتبعناهم ، زيادة في عقوبتهم وخزيهم ، في الدنيا لعنة ، يلعنون ، ولهم عند الخلق الثناء القبيح والمقت والذم ، وهذا أمر مشاهد ، فهم أئمة الملعونين في الدنيا ومقدمتهم ، وشرع الله لعنتهم ولعنة مَلكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين رسله ، وكما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم كذلك .
وقوله تعالى { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ }. المبعدين، المستقذرة أفعالهم. الذين اجتمع عليهم مقت اللّه، ومقت خلقه، ومقت أنفسهم . قال قتادة : وهذه الآية كقوله تعالى : { وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ {99} سورة هود .
{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } أي جعلنا فرعون وملأه من الأئمة الذين يقتدي بهم ويمشي خلفهم إلى دار الخزي والشقاء . { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ } من عذاب اللّه ، فهم أضعف شيء ، عن دفعه عن أنفسهم ، وليس لهم من دون اللّه ، من ولي ولا نصير.
هذه نهاية فرعون الدكتاتوري السفاك المتكبر المتعجرف الذي ملأ ذكره في زمانه ... وذاع صيته ... طلما سفك الدماء ... وقتل الطفال... وتجبر وتكبر على الله تعالى ... وفشله وملئه في مواجهة الحق ... و إنتصار الحق وأهله والتمكين لهم في الأرض ... إن في قصة فروعون ونهايته المخزيل لآيه وعبر وحجه و بينه واضحه لبني إسرائيل وغيرهم من الأمم إلى قيام الساعة ... على جزاء من يعبد غير الله ... إلى كل من يعبد قبر ... أو الشمس .. أو أي من كان هذا الذي يتوجه له بالعبادة من دون الله تعالى ... فإن فرعون لو أنه كما إدعا من الألوهية لأنقذ نفسه من الغرق ... وهذه سنة الله تعالى فى استحقاق الهلاك والعذاب على كل من تجبر وظلم فالله " يمهل ولاكن لا همل " واتحق بنوا إسرائيل وراثت الأرض المقدسة قال الله سبحانه وتعالى { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ{137} سورة الأعراف