بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين أما بعد :
وقفه مع آية في سور الأعراف
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـاذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوااْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }
ولما كانت الدار لا تطيب إلا بحسن الجوار قال{ ونزعنا } أي بما لنا من العظمة التي لا يعجزها شيء { ما } كان في الدنيا { في صدورهم من غل } أي ضغينة وحقد وغش من بعضهم على بعض يغل، أي يدخل بلطف إلى صميم القلب، ومن الغلول، وهو الوصول بالحيلة إلى الذنوب الدقيقة، ويقال: غل في الشيء وتغلغل فيه - إذا دخل فيه بلطافة كالحب يدخل في صميم الفؤاد، حتى أن صاحب الدرجة السافلة لا يحسد صاحب العالية.
ولما كان حسن الجوار لا يلذ إلاّ بطيب القرار باحكام الدار، وكان الماء سبب العمارة وطيب المنازل، وكان الجاري منه أعم نفعاً وأشد استجلاباً للسرور قال تعالى { تجري من } وأشار إلى علوهم بقوله: { تحتهم الأنهار } فلما تمت لهم النعمة بالماء الذي به حياة كل حياة كل شيء فعرف أنه يكون عنه الرياض والأشجار وكل ما به حسن الدار، أخبر عن تعاطيهم الشكر لله ولرسوله المستجلب للزيادة بقوله{ وقالوا الحمد } أي الإحاطة بأوصاف الكمال { لله } أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة لذاته لا لشيء آخر؛ ثم وصفوه بما يقتضي ذلك له لأوصافه أيضاً، فقالوا معلمين أنه لا سبب لهم في الوصول إلى النعيم غير النعيم غير فضله في الأولى والأخرى{ الذي هدانا } أي بالبيان والتوفيق، وأوقعوا الهداية على ما وصلوا إليه إطلاقاً للمسبب على السبب { لهذا } أي للعمل الذي أوصلنا إليه { وما } أي والحال أنا ما { كنا لنهتدي } أصلاً لبناء جبلاتنا على خلاف ذلك { لولا أن هدانا الله } أي الذي له الأمر كله
ولما كان تصديقهم للرسل في الدنيا إيماناً بالغيب من باب علم اليقين، أخبروا في الآخرة بما وصلوا إليه من عين اليقين سروراً وتبججاً لا تعبداً، وثناء على الرسل ومن أرسلهم بقولهم مفتتحين بحرف التوقع لأنه محله { لقد جاءت رسل ربنا } أي المحسن إلينا { بالحق } أي الثابت الذي يطابقه الواقع الذي لا زوال له.
ولما غبطوا أنفسهم وحقروها وأثبتوا الفضل لأهله، عطف على قولهم قوله مانّاً عليهم بقبول أعمالهم، ولما كان السار الإخبار عن الإيراث لا كونه من معين، بني للمفعول قوله: { ونودوا } أي إتماماً لنعيمهم { أن } هي المخففة من الثقيلة أو هي المفسرة { تلكم الجنة } العالية { أورثتموها } أي صارت إليكم من غير تعب ولا منازع { بما } أي بسبب ما { كنتم تعملون}لأنه سبحانه جعله سبباً ظاهرياً بكرمه، والسبب الحقيقي هو ما ذكروه هم من توفيقه .المرجع : ك | نظم الدرر
الفوائد المسلكية من الآية :
1. سبحان لله إن الغل والحقد والحسد من الأشياء التي تكدر على الإنسان الاستمتاع في الحيات الدنيا فكان أول شيء قبل دخولهم الجنة و حتى ينعم أهل الجنة في الجنة هي تطهير قلوبهم من الغل والحقد والحسد ) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ (
و بينما أهل النار و لعياذ بالله فيها هم من تلاعن وتخاصم وتبرئهم من بعضهم من بعض, عكس أهل الجنة تماما قال الله تعالي ) كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حتى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ ) *( وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (
و في سورة البقرة ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{166)
2. وبما أن الماء هو عصب الحياة في الدنيا ونعيم الدنيا كان أيظن هو من نعيم أهل الجنة وزياد على ذلك بوصفه ( تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ) .
بينما كان الماء هو عذاب أهل النار حيث قال الله تعالي (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) وقال
3. انساب النعمة إلى مسببها وهو لله عز وجل فيه قمت الأدب مع الله جلا جلاله ثم للرسول الذين يبلغون رسالات ربهم فالما تواضع الله قال
( وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (*
4. أن بالحمد تدوم النعم , لما حمدوا الله وشكروه على ما رزقهم من النعيم من نزع ما كان في الدنيا من غل وضغينة وحقد وغش من بعضهم على بعض ودخل الجنة ونعيم الأنهار التي تجري من تحتها جاء الزيادة في نعيم في قوله { تلكم الجنة } العالية
{ أورثتموها }
5. و في قول الله تعالى{ بما كنتم تعملون* } أن الأعمال هي سبب دخول الجنة وهذا كذالك يفسره أن مفتاح الجنة هو) لا اله إلا الله ( وهذا المفتاح لهو أسنان وهذه الأسنان هي الأعمال الصالحة هذا فيه رد على من يقول أن الإيمان فقط في القلب أو قول باللسان هنا ثناء عليهم بقوله ( أورثتموها بما ) أي بسبب ما ( كنتم تعملون) .