إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ

قال الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{95}

في هذه الآية قولان:

القول الأول : فالق بمعنى خالق الحب والنوي . قال الواحدي : " ذهبوا بفالق مذهب فاطر , وأقول : الفطر هو شق , وكذلك الفلق " أ. ه .

القول الثاني : وعليه أكثر المفسرين : أن الفلق هو الشق , والحب هوالذي يكون مقصودا بذاته مثل الحبة الحنطة والشعير وسائر الأنواع . والنوي هو الشيء الموجود في داخل الثمرة مثل نوى الخوخ والتمر ... وغيره . ( مياده : ص , 4) .

§ هنا سؤال لماذا جيء مرة بجملة فعلية ومرة بجملة أسمية في قوله تعالى : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ؟

الجواب : لدلالة على التجدد والإستمرار والتكرار والإعتناء به ساعة فساعة .

قال الطاهر بن عاشور : وقد جيء بجملة { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } فعلية للدلالة على أن الفعل يتجدد ويتكرر في كل آن , فهوا مراد معلوم وليس على سبيل المصادفة والاتفاق .

وجيء في قوله { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ } اسماً للدلالة على الدوام والثبات , فحصل بمجموع ذلك أن كلا الفعلين متجدد وثابت , أي كثير وذاتي ؛ وذلك لأن أحد أحد الخراجين ليس أولي بالحكم من قرينه فكان في الأسلوب شبه الاحتباك .

قال الآلوسي : إن لفظ الفعل { يُخْرِجُ } يدل على أن الفعل معتنٍ بالفعل في كل حين وأوان . وأما لفظ { وَمُخْرِجُ } الاسم فإنه لا يفيد التجدد والاعتناء به ساعة فساعة .

§ ولما تقررت له سبحانه هذه الأوصاف التى لا قدرة أصلاً لأ حد غيره على شيء منها , قال منبها لهم على غلطهم في إشراكهم : { ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{95} . ولاستفهام في قوله : { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} تعجبي ؛ تعجب لحالهم ؛ إنكاري ؛ أنكار على سؤالهم ؛ أي لايوجد موجب يصرفكم عن توحيده , لذا عبَّر بلإشارة بـ ( ذلكم ) لزيادة التميز , وللتعريض بغباوة المخاطبين المشركين لغفلتهم عن هذه الدلالة على أنه المنفرد بالإلهة , أي ذلكم الفاعل الأفعال العظيمتة من الفلق وإخراج الحي من الميت والميت من الحي , هو الذي يعرف الخلق باسمه العظيم على أنه الأله الواحد , المقصور عليه وصف الإلهية فلا تعدلوا به في الإلهية غيره . وبني فعل { تُؤْفَكُونَ } للمجهول لعدم تعين صارفهم عن توحيد الله , وهو مجموع أشياء : وسوسة الشيطان , ووتضليل قادتهم وكبرائهم , وهو أنفسهم , واتباع الأبائهم . ( مياده : ص /4, 5)

§ وقفه لا يليق بالإنسان أن يكون لغير الله :

الذي خلقنا ، والذي أمدنا ، والذي هدانا ، والذي يربينا ، ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾

إلى أين تنصرفون ؟ إلى أين تتجهون ؟ إلى أين تتوجهون ؟ من تحبون غير الله ؟ على من تعتمدون ؟ على من تتكلون ؟ على من تعلقون الآمال ؟ من تخافون ؟ أيعقل أن تخافوا من غير الله ؟ وأن تعقدوا الأمل على غير الله ! وأن يرجو الإنسان غير الله ! وأن يثق بغير الله ! وأن يكون لغير الله !
كلمة دقيقة : إن مما يشينك أن تكون لغير الله ، كم من إنسان محسوب على إنسان آخر ؟ كم من إنسان محسوب على هذه الجهة أو على تلك ؟ هو في خدمتها ، ولاءه لها ، وقته لها ، ذكاءه من أجلها ، طلاقة لسانه لها ، وهي جهة أرضية ، أيليق بالإنسان أن يكون لغير الله ؟!!

" خلقت لك ما في السماوات والأرض فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك " .

إلى أين ذاهب ؟ إلى أين ؟ إلى عبد حقير ، إلى عبد فقير ، إلى عبد لئيم ، إلى عبد يحتال عليك ، إلى عبد يبني مجده على أنقاض ، إلى عبد يأخذ منك ما يريد ثم يركلك بقدمه ، إن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لعبد لئيم ، الحمد لله الذي أخرجنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة ، من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، من جور الحكام إلى عدل الإسلام ، هكذا قال بعض صحابة رسول الله ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ . ( محمد راتب النابلسي )