الثمرة معظمها حلوة فلماذا يحرص البعض على تذوقها من جانبها المرّ وهو محدود، هذا ما يقوله الدكتور أكرم رضا الخبير التربوي واستشاري المشاكل الزوجية، وهو يحدثنا عن كيفية تحقيق السعادة الزوجية في حواره الممتع مع شبكة (الإسلام اليوم) حول آفاق نجاح الحياة الزوجية وكيفية تذليل الصعوبات التي تواجهها الأسرة المسلمة من أجل إقامة حياة زوجية سعيدة وناجحة؛ إذ ينصح الدكتور أكرم رضا كل زوجين بالاسترشاد الربّاني من القرآن والسنة والاستضاءة النورانيّة بخبرات الصالحين ويدعو إلى تدعيم الحب والتآلف والتفاهم الزواجي، ويحذر من خطورة عدم وجود عدد كافٍ من خبراء ومتخصصين في الإرشاد الزواجي ببلادنا العربية، مشدداً على أن الأسرة هي اللبنة الأولى لاستقرار المجتمع .. وهذا نص الحوار…
من وجهة نظركم ما هي معايير اختيار الزوج والزوجة؟
الاختيار له شقان: شق إرشادي وشق نفسي، الشق الإرشادي ينبع من هويتنا الإسلامية؛ فالله خالقنا هو الذي يرشدنا وهو سبحانه الخبير بطبيعة البشر (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) فالله -عز وجل- عن طريق نبيه -صلى الله عليه وسلم- وضع لنا ضوابط مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- “تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ونسبها ودينها”، فقد وضع الصفات الأساسية التي لا يخرج عنها بشر في الاختيار بالترتيب، ثم يقول “فاظفر بذات الدين” وهنا يقدم الدين لأهميته في الاختيار وعلى أنه أساس، وكذلك لقوله سبحانه في النكاح (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم) ويرشد في لمحة خفية إلى أن الفقر يُعوّض بنكاح الصالحين، ولقوله سبحانه (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)، وفي حالة الزوج يرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اختيار الدين والخلق، وأضاف الخلق إلى الدين؛ لأن الأصل في الدين الخلق ولا دين بغير خلق، وكذلك الأمانة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر “إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه”، وذلك لأن الأمانة فرع من الخلق، وكذلك الآية القرآنية التي أوضحت لنا اختيار سيدنا شعيب لسيدنا موسى لاتصافه بالأمانة (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، أما الشق النفسي فهذا يصاحب الشخصية فكلما ارتقى صاحب الاختيار ارتقى مستوى اختياره؛ فإذا كان داخل الشخص الإيمان فيختار الأساس الدين أما إذا كان داخله وطموحاته أن يختار على أساس الجمال أو النسب فيختار على هذا الأساس لقوله سبحانه (الطيبات للطيبين) لذلك لا يستطيع إنسان أن يضع معايير اختيار؛ لأن المفروض أن يختار الإنسان من مستوى الإرشاد القرآني والسنة وخبرات الصالحين، ومثال ذلك عندما جاء الحسن البصري أحد الصالحين يسأله يقول: جاءني رجل غني وآخر صاحب دين لابنتي فماذا أختار؟ قال له: اختر صاحب الدين؛ لأنه إذا أحبها أكرمها وإذا كرهها لم يظلمها.
الفهم والتنشئة
كيف تفهم الزوجة شخصية زوجها وتستوعبها؟
أساس الاختيار في الإسلام يقوم على الحرية المطلقة فليس لأحد أن يجبر أحداً في أمر الزواج فالزوجة لا يستطيع أبوها أن يجبرها على الزواج لذلك فإن مسؤولية الاختيار متوفرة للزوجة ومن خلال فترة الخطوبة قد يكتشف كل طرف في الآخر عيوبه وميزاته، وتستطيع زوجة المستقبل أن تتقبل هذه العيوب وتتكيف معها؛ لأن هذه الفترة تُعتبر دراسة للطرفين وفرصتها أحسن للاختيار السليم ثم بعد ذلك فترة العقد، وهي فترة أكثر اتساعاً لذلك يشرع ربنا سبحانه الزواج على مراحل حتى تستطيع الزوجة أن تفهم شخصية زوجها، وكذلك الزوج حتى يصلا إلى التوافق المطلوب.
هل التنشئة الاجتماعية لها دور في تحديد شخصية كل من الزوجين؟
الدراسات أثبتت أن الإنسان يبني نفسه، وأن هناك اختلافاً في شخصية كل من الزوج والزوجة من الناحية الفسيولوجية فهم مختلفون في الشكل والعقل والطباع مثل النهرين الأزرق والأبيض، ولكن عندما يلتقيان يحدث الخصب أي الاتفاق ويطعم كل منهما الآخر.
احذروا هذه المشكلات
كيف نستطيع التغلب على المشكلات الزوجية التي قد تنشأ في السنة الأولى من الزواج؛ إذ ثبت أن 45 % من حالات الزواج يتم الطلاق فيها خلال السنة الأولى للزواج طبقاً لأحدث إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؟
في السنة الأولى يحدث الكثير من المشكلات، وذلك يرجع إلى محاولة كل واحد منهما فرض طباعه، ويستغرب طباع الآخر بالإضافة إلى الضغط الاجتماعي على الزوج نتيجة الأعراف السيئة كالقول (أذبح لها القطة أو غير ذلك)! مما يؤدي إلى التناطح، ومحاولة كل منهما أن يكسر قرون الآخر ـ إن صح التعبيرـ وهذا لا يصلح في بيت مبني على المودة والرحمة، ولكن غالباً ما تمرّ هذه المشكلات، وعندما يتذكرها الزوجان بعد ذلك يشعران بأنها مشكلات تافهة لا قيمة لها، وذلك بعد الزواج بفترة طويلة.
ما أهم المشكلات الزوجيّة من وجهة نظرك؟
أهم المشكلات الزوجية محاولة الزوج إثبات الذات ورجولته في البيت ويعامل زوجته على أنها خادمة في البيت بالإضافة إلى قول كل منهما للآخر .. أمي وأمك، والمقارنة المستفزة بينهما، وكذلك قد تكون المشكلات نتيجة عقدة المال والمقارنة كالقول فلوسي وفلوسك وأيضاً القول: إنهما متساويان في التعليم، وكذلك قول الزوج لزوجته في أول الزواج: أتزوج عليك! ويريد أن تعامله معاملة سي السيد!
في هذه المرحلة ننصح بالاسترشاد الزوجي، وأنا أدعو المجتمع وخاصة الجمعيات الأهلية إلى إيجاد مثل هذه النوع في حياتنا؛ فاليوم لا يكفي الطبيب النفسي في الإرشاد الزواجي أو الشيخ في المسجد، إنما يجب أن يكون هناك متخصص ومكتب ليؤدي الإرشاد الزواجي لحلول للمشكلات الزوجية، وذلك تلافياً لانعدام الخبرة بين الزوجين. وأناشد المسؤولين تواجد مثل هذه المكاتب حتى نستطيع أن نتغلب على هذه المشكلات.
كيف تكون الزوجة مثقفة سلوكياً ؟
الثقافة السلوكية تنبع من العلم والخبرة معاً؛ فالعلم يعمل نوعاً من الاستبيان النفسي للزوجة حتى تصحّح سلوكها، والثقافة السلوكية عبارة عن علم ومهارة تكتسبها الزوجة بالتدريب؛ لأنه ينقصنا مراكز للتدريب والتنمية البشرية برغم وجود مثل هذه المراكز بكثرة في البلاد الغربية على أعلى مستوى ليستفيدوا منها، وتعطي لهم خبرة كبيرة في مختلف المجالات، لذلك لا بد من العمل على تطوير المهارة السلوكية عندنا بالنسبة للمرأة والرجل، ولا يتحقق ذلك إلا بالعلم والتدريب.
صراحة ونصائح
ما هي حدود الصراحة بين الزوجين من وجهة نظركم؟
الصراحة والمصارحة قائمة على فاتورة الإخلاص، يعني أن كلاً من الزوجين أخلص للآخر، ولا توجد لديه نية ترك الآخر، فكأن الزوج يحدث نفسه عندما يتحدث مع زوجته، والصراحة تكون في كل شيء حتى في الهوايات والطموحات، وحتى مع الأولاد لكيلا يكذبوا، وقد كان صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يفعلون الخطأ؛ لأنهم تعوّدوا أن يردّوا كل شيء للنبي -صلى الله عليه وسلم- وبالتالي لا يخجلون أمامه؛ لذلك فالمصارحة تساعد على التقوى.
كيف نحقق الصداقة والحبّ بين الزوجين؟
الزوجة تكون صديقة لزوجها، وكذلك الزوج يكون صديقاً لزوجته بشرط أن تكون الزوجة على هوى زوجها وكذلك الزوج؛ ففي بعض الأحيان تكون الصداقة بينهما أن يعيشوا الفترة الأولى من الزواج في الخروج والتنزه، لكن بشرط الانضباط بشرع الله مثلما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ كان يداعب نساءه، ويتسابق مع السيدة عائشة، ولكن عندما يأتي وقت الصلاة كنا لا نعرفه ولا يعرفنا.
وأخيراً ما أهم النصائح والإرشادات التي توجّهها للفتيات والشباب المقبلين على الزواج حتى تتحقق السعادة الزوجيّة؟
أقول للشباب : كونوا شجعانًا وتحملوا مسؤولية قراركم، ولا بد أن تضع لنفسك أيها الشاب ضوابط صحيحة وحقيقية للاختيار، أما الفتاة فأقول لها: كوني صادقة مع نفسك، وضعي ضوابط حقيقية للاختيار، وللمتزوجين حديثاً أقول لهم: لا تتذوّقوا الثمرة من جانبها المر: الثمرة كلها حلوة بلين كل منا للآخر ..
وللمتزوجين منذ فترة طويلة أقول لهم: (لا تنسوا الفضل بينكم).
أخيراً أوجّه رسالة إلى المجتمع في وطننا العربي بضرورة تواجد مكاتب الإرشاد الزوجي الشاملة لأننا في مجتمع نحتاج فيه إلى جلسات وتمهيد الطريق بين الزوجين حتى يحدث التوافق الزواجي حفاظاً على الأسرة باعتبارها صمام الأمان لسفينة المجتمع